(اضطراب التشخيص)



د أحمد النعيمي
أستاذ جامعي


لا يزال سؤال المستقبل يدور في اذهان جميع المراقبين للحركة الاسلامية على الرغم من
كثرة المتكلمين فيه؛ للإجابة عن سر الاضطراب الذي حصل في اذهان ابناء الحركة في
تشخيص موطن الخلل الذي ادى الى تراجعها بعد ان تصدرت واجهة البلدان التي حدث
فيها الربيع العربي بمدة قياسية جعل المراقبين يتهمونها بالارتجال والضعف، مما جعل
خصومها يرون ان الربيع العربي كشف حجم الاسلام السياسي الحقيقي وضعف دوره ،
وان كل الشعارات التي كان يرفعها قبل الثورات ما هي الا شعارات انتخابية حالها
كحال الشعارات التي يتداولها اي مرشح يبتغي الوصول الى السلطة، ثم يتخلى عنها
سواء كان عن قصد او انه اصغر مما يقول.. وبعيدا عما يقوله خصومها ويشخصونه
فيها، لا بد من النظر داخل عقول ابناء الحركة ومفكريها وجس نبضهم النقدي
والتشخيصي للوقوف على مدى تعاطيهم امام مشكلة التشخيص.
فلقد رأى البعض، ممن تكلم في المسار التصحيحي، ان تفسير ما جرى للحركة لا
يمكن ان يفسر الا في اطار الضعف الاداري، والشيخوخة التي اصابت القيادة التي باتت
تكتفي -في زمن تغير فيه المتغير- بما وعوه من جيل الخمسينيات والستينيات، مما
جعل البناء الحركي يترهل لدرجة الانفكاك، و ان الحل يكمن في صياغة مشروع اداري
حضاري يقوم على ردم الهوة بين الزمانين. -وفسر فريق اخر ان السبب هو سبب عملي
بحت، وليس للفكر علاقة فيما جرى، وان دعوى تجديد الفكر ما هو الا ضرب لقوة
الحركة، فالقائمون على الحركة اعتمدوا -في تطبيق الفكر- على ايثار جانب الرخصةفي موطن العزيمة، وسلوك اطول الطرق في سبيل تحقيق الاهداف، واغفال السنن
الكونية في التعامل مع الازمات
وذهب البعض الى تفسير اكثر تعقيدا وقسوة، من خلال طرحه صورة ضبابية متعلقة بغاية
الحركة المنشودة ودورها في الحياة، فالشمولية التي تتسم بها الحركة -وكانت تراها
عنصر قوة وجذب- اصبحت من اهم العقبات الفكرية والعملية التي ادت الى ترهل
الهيكل التنظيمي، والاجهاد الفردي من الجانب العملي، والى التصادم بين المشروعين
من الجانب الفكري، بسبب انعدام النضج التكاملي بين المشاريع؛ لغياب البوصلة
الموجهة لجميع المشاريع التي تنتهي بجهود الجميع نحو تحقيق غاية واحدة غير
واضحة المعالم، وان التكامل بين المؤسسات هو سر النجاح، والترياق الذي يقوي
مناعة الحركة من الاختلاف الداخلي.
ان هذا الانقسام الحاد في تشخيص الخلل الذي ينبغي توحيد الجهود له، هو سبب
توقف الحركة الاصلاح الداخلي وهو ما غاب عن من وقع على عاتقه تشخيص الخلل ،
فالتصادم لم يقتصر على المشاريع العملية، بل تعدى الى الجانب الفكري التشخيصي.
ان من المقرر في علم الاجتماع ان الخلاف الذي يحصل في وجهات النظر التشخيصية
بين طبقات مختلفة في مستوى الوعي والادراك امر طبيعي؛ بسبب اختلاف تصورها
للحقائق.
ان غياب الآليات الحقيقية في تقييم موضع الخلل المرحلي، وتنشيط موطن الكسل ،
واستيعاب المرحلة بكل ما تحمله في طياتها من مخاطر الصراع، ورصد مواطن القوة ،
قد يسبب ازمة داخلية هي الاخطر على كينونتها منذ نشأتها. فلا يعقل ان يشخص
الخلل السياسي ويعزى الى الضعف التربوي او الاداري او الاغاثي، وان كان التداخل
بين العناصر المذكورة مكملا للمسار السياسي وداعما له، فما قيمة الانضباط التربويفي غياب ادوات تنفيذ الرؤية السياسية التي تحتاج الى ذكاء وفطنة ومهارة استغلال
الفرص والواقعية في الطرح ومراقبة الاحداث والتنبؤ بالمستقبل وضم النظير الى نظيره في
التعامل مع الخصوم في اطارها السياسي؟؟! -وفي النهاية إذا ما بقي الامر مرهون بحسن
النية والتعامل بردود الافعال في ايجاد مواطن الخلل قد تصل حالة الاحباط الى قطاع
كبير من الذين بنوا امالهم على حسم سريع وشامل يعيد اليهم الثقة في حركتهم كحركة
شمولية تعالج مفاصل الحياة وما تعتريها من مشاكل باكثر واقعية وبخيارات تواكب
الحدث وتعالجه.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا