قصة وفاء

قصة وفاء
د.صباح السامرائي
أكاديمي وباحث

كنت قد كتبت قبل بضعة سنوات قصة عن الوفاء ونشرتها يومها عبر صفحتي على "الفيسبوك" وشاء الله لها ان تنتشر بشكل كبير جدا وانما اردت اعادة نشرها هنا لسببين: الاول: ان الوفاء غير مقترن بزمن معين الثاني: اثبات نسبة القصة لأهلها ومن الوفاء ان اقول اني سمعت معناها من شيخ في بيروت فصغتها باسلوب يناسب النشر

القصة:
كان فيما مضى شابٌّ ثريٌّ ثراءً عظيماً، وكان والده يعمل بتجارة الجواهر والياقوت وما شابه،  وكان الشاب يُغدق على أصدقائه أيّما إغداق،  وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له..
ودارت الأيام دورتهاويموت الوالد وتفتقر العائلة افتقاراً شديداً وانقلب الحال من ترفٍ الى بؤس، ومن أُنْس الى حزن، وصار لا يزوره الا القليل ممن كانوا كظله، وتفرق عنه الجمع، فامتلأ همّاً وغما وأثقلته هموم الحياة،ومضت الايام ثقيلة كالجبال وهو ينظر الى من يعولهم وعيونهم ترقبه، وقد بدأ الشحوب يحل بدل النضارة، وبدأ الجوع والنحول يدب في الاجساد التي اعتادت النعمة، حتى بدت الحياة  بطعم المرارة والاسى، وتمضي السنوات  على ذلك الحال فقلب الشاب أيام رخائه ليبحث عن أصدقاء الماضي، فعلم أن اعز صديق له ممن كان يكرمه ويغدق عليه -بل كان من أكثرهم مودة وقربا من- قد أثرى ثراء عظيما وأصبح من أصحاب القصور والأملاك والضياع والأموال،وقد تحول سكناه في بلدة بعيدة وانقطعت اخباره عنه منذ زمن بعيد ،وبعد تردد وتقديم خطوة وارجاع اخرى قرر ان يتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملاً أو سبيلاً لإصلاح الحال.
وبعد لأيٍ كبيرٍ تمكّن من الوصول الى عنوانه، فمثل امام باب قصر  مهيب فتأمل ملياً كيف سيلقى صديقه بأحضان المودة القديمة واختلطت عنده مشاعر الحنين فمشى الخطوات وئيدة الى باب القصر فاستقبله الخدم والحشم فذكر لهم صلته بصاحب الدار وما كان بينهما من مودة قديمة، فذهب الخدم فاخبروا صديقه بذلك فنظر إليه ذلك الرجل من خلف ستار ليرى شخصاً رثَّ الثياب عليه آثار الفقر فلم يرض بلقائه وأخبر الخدم بان يخبروه أن صاحب الدار مشغولٌولا يمكنه استقبال أحد..
فخرج الرجل والدهشة تأخذ منه مأخذها وراح يرقب بعينين تغالبها عزة النفس من انهمال الدمع حسرة ألما، فيصحو من افكاره تلكعلى وقع غصة متألما على الصداقة كيف تتهاوى وعلى القيم الرخيصة كيف لها تذهب بصاحبها بعيداً عن الوفاء، وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت، وكيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في النفوس مريضة..
سار الرجل وقد اخذت الافكار تتلاطم في راسه كبحر هائج فلا يعلم على وجه اليقين أهو أشدّ تأثراً بخيبة أمله من ضياع فرصة عمل يسد رمقه، أم بصدمته بما رأى وسمع من النكران ..سار والهموم تراكمت حتى ما عاد لغيرها في النفس من موطن ... وقريباً من دياره صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرةوكأنهم يبحثون عن شيء فاقتربوا منه واقترب منهم فقال لهم ما أمر القوم؟  قالوا له نبحث عن رجل يدعى فلان ابن فلان - وذكروا اسم والده-  فقال لهم انه أبي وقد مات منذ زمن، فحوقل الرجال وتأسّفوا وذكروا أباه بكلِّ خير، وقالوا له إن أباك كان يتاجرُ بالجواهر، وله عندنا قطع نفيسة من المرجان، كان قد تركها عندنا أمانة، فأخرجوا كيساً كبيراً قد مُلئ مرجاناً، فدفعوه إليه ورحلوا، والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع.
سار بالكيس وقد دب السرور في فؤاده المكلوم وبعد ان استرد تفكيره تساءل متحيرا: ولكن..أين اليوم من يشتري المرجان؟ فان  بيعه يحتاج إلى أثرياء والناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة ...ومضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف امرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير، فقالت له يا بني أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم فتسمّر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث فقالت أي أحجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها ..فسألها إن كان يعجبها المرجان فقالت له نعم المطلب فأخرج بضع قطع من الكيس فاندهشت المرأة لما رأت فابتاعت منه قطعاً ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد....وهكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر وعادت تجارته تنشط بشكل كبير....
تذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقةفبعث له ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما:
صـــحِبتُ قوماٌ لئــــاماً لا وفــاء لـــهم     يُــــدعَون بين الورى بالمــكرِ والحيلِ
كانوا يــــجلّونني مــــذ كنتُ رب غنى   وحين أفلســـتُ عدّوني من الـجـهـلِ

فلماقرأ ذلك الصديق هذين البيتين ، أرســــل له ورقة كتب فيها ثـــلاثــــة أبيات جاء فيها:
أمـــا الـــــثلاثــــةُ قد وافــــوك من قِـبَـلي ولـــــم تـكـن ســـــــــــببـاً إلامن الحيلِ
تـلــك التي ابتاعـــــت المرجـان والدتي  وأنــت أنـــت أخي.... بالمنتهى أملي
وماطردناك من بخلٍ ومــن قللٍ  لـكن ..... عليك خشينا وقفة الخجلِ"



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا