المحافظات السنية وواجب المرحلة

المحافظات السنية  وواجب المرحلة
د.ادريس العيساوي
أكاديمي وباحث
لقد تعرضت المناطق السنية في العراق الى هجمة ممنهجة ومدروسة فاقت كل التصورات بعد احتلال العراق سنة 2003م لأسباب كثيرة لعل منها :
1. الموقع الجغرافي الذي  تمتاز به حيث تجاور ثلاث دول عربية، وما يمثله هذا العمق من الناحية الاستراتيجية  ، وارتباطه بطبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني .
2. الارث التاريخي  ، وما يحمله من تنبؤات عن دور هذه المناطق في حسم الصراع مع اليهود في المستقبل .
3. المساحة الكبيرة ،مقارنة ببعض الدول العربية. 
4. الخبرات والطاقات والعقول  التي تمتلكها فعلى المستوى العسكري نجد أن معظم  القيادات العسكرية العليا في العراق منحدرة من تلك المناطق ، وهذا ينسحب على جميع الاختصاصات العلمية والإنسانية والدينية ،فقد خرجت هذه المحافظات قامات كبيرة لها حضورها الإقليمي والعالمي.
5.  الموارد الاقتصادية حيث تشير بعض مراكز الأبحاث على وجود الغاز والنفط ،والكبريت ،واليورانيوم وبكميات كبيرة، ناهيك عن الزراعة حيت يمر نهرا دجلة والفرات باراضي شاسعة صالحة للاستزراع،   مما يجعل هذه المناطق محط اهتمام واطماع الدول العالمية  .
6. التركيبة المجتمعية المتجانسة ، والقبلية المتماسكة.
7.  حضور الرمزية الدينية، والعشائرية . 
لذا  جاءت هذه الهجمة الشرسة على جميع مرافق الحياة البنيوية ،والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية لتفكيك مقومات هذه المناطق وافقارها.
والذي يلاحظ الدمار الشامل الذي تعرضت  له البنى التحتية، والمرافق الحيوية من جسور ،ومعامل ، ومنشآت، ومستشفيات وجامعات ومدارس  سواء من قبل داعش أو  قوات التحالف يدرك يقينا أن ما يحدث  له أبعاد مريبة تتجاوز الأهداف المعلنة،  والحرب على الإرهاب . وليت الأمر اقتصر على خراب العمران بل تجاوز ذلك إلى محاولة  خراب المنظومة القيمية والاخلاقية من تفتيت الوشائج المجتمعية من  خلال  اثارة النعرات القبلية الضيقة إضافة إلى زرع الأفكار الضالة ، والمنحرفة، والهدامة والتي لم تكن مألوفة بين شباب تلك المناطق التي عرفت بالوسطية والاعتدال . 
ومما يؤسف  له حقا  أن يحصل هذا الاستهداف ، وبهذا الحجم المخيف  ، والذي اتى على الأخضر واليابس والصالح، والطالح على   غفلة من المصلحين ، والمثقفين ،والمفكرين  ، مع غياب الرؤية المشتركة  لدى شريحة المتصدرين حول مستقبل هذه المناطق ومآلات الاحداث، وانعكاساتها  السلبية على المدى البعيد ، والذي سيترك آثارا غائرة في النفوس ، ومنحوتة في ذاكرة الاجيال يصعب حلها . ..ومع كل ما جرى فمحاولات الاستدراك، والإصلاح،والتغيير  في دائرة الممكن اذا أدركنا جميعا واجب المرحلة التي نمر بها متعالين على الجراح، تاركين وراء ظهورنا إشكالات الماضي  وعقده ، ومستحضرين  جميع مقومات النهوض ،ومستغلين  جميع الطاقات ، وموظفين كل الإمكانات. لذا ينبغي  أن نحدد بوضوح واجبات المرحلة، التي يمكن من خلالها انتشال مناطقنا من ذل الاستضعاف والتبعية  إلى عز القوة، والاستقلالية.
فمن واجبات المرحلة : وحدة الصف ، وجمع الكلمة، ونبذ الفرقة والخلاف، اذ لايمكن تصور نجاح أي مشروع دون لافتة الوحدة ،وتقديم الأكفاء المهنيين لإدارة المرحلة بجميع حيثياتها ،  والابتعاد عن المحاصصة العشائرية والحزبية  لانها لا تنسجم والإدارة المدنية على الإطلاق، والاتفاق على ميثاق شرف تتعهد به جميع الأطراف الفاعلة على  عدم الاستهداف  والتسقيط لاغراض سياسية أو غيرها ،وعدم المساس بالرمزية الدينية والعشائرية لما لهما من مكانة مهمة ،و تفعيل سلطة القانون وعدم الانجرار  إلى متاهات الثأر والانتقام ، والتركيز على الرسائل الإعلامية الهادفة ومعالجة بعض الظواهر السلبية ،وعقد الندوات والمؤتمرات لمعالجة أسباب الغلو والتطرف ، والعمل على إعادة وتعويض المهجرين ، والأبتعاد عن المزايدات الرخيصة فمن أراد العمل وخدمة المجتمع فهناك دائما مساحات واسعة  تسع الجميع دون مزاحمة احد .بهذه الواجبات وغيرها نستطيع بإذنه تعالى وبفترة وجيزة أن نعيد الأمل إلى محافظاتنا  ، ونرسم لوحة مستقبل اجيالنا بانفسنا.



شارك الموضوع

إقرأ أيضًا