آفاق التدخل الروسي في سوريا


آفاق التدخل الروسي في سوريا

د صباح الكبيسي
أكاديمي وباحث

ان المراقب للاحداث التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط عامة وسوريا خاصة يستطيع ان يرسم خارطة تحليلية لما يحدث وخاصة بعد التدخل الروسي السافر في سوريا وخلط الاوراق السياسية وارباك الوضع على الارض واخذ زمام المبادرة من الدول المترددة مثل الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية كالسعودية وقطر والدول الاقليمية كتركيا. وبالرغم من تعدد الاراء في الاسباب الدافعة لروسيا لتدخلها العسكري في سوريا بين داعم لسبب ان روسيا تدخلت للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط والحفاظ على قاعدتها الاخيرة على المياه الدافئة في طرطوس وبين قائل ان السبب هو اثبات وجود لروسيا ولموقفها بعد انتهاء الحرب الباردة مع المعسكر الغربي وبين من يقول ان السبب اقتصادي بحت تبحث فيه روسيا عن مصالحها ومن يضمنها لها في سوريا. ولانريد ان نقف طويلا عند اسباب التدخل الروسي فله مجاله الخاص ولكن نريد في هذه الوقفة القصيرة ان نسبر ونستشرف افاق التدخل الروسي العسكري ومألاته في المستقبل القريب والمتوسط حسب المعطيات المعلنة محليا واقليميا ودوليا وبشكل مختصر.
1.اين يركز الروس ضرباتهم الجوية العسكرية حتى نفهم جزء من المعادلة الروسية العسكرية على الارض:
أ.محافضة ادلب الشمالية بجوار المعقل الساحلي للنظام السوري حول اللاذقية حيث يبرز فيها دور جبهة (النصرة) التابعة لتنظيم القاعدة.
ب.جنوب شرق اللاذقية في سهل الغاب ومناطق اخرى في محافظة حماة لمنع المعارضة من الضغط على الساحل بشكل كبير.
ج.المناطق حول حلب اكبر مدن سوريا حيث يتواجد مجموعات متنوعة من المعارضة.
2.القرأة العسكرية الاولى للضربات الروسية تفيد الاتي:
أ.روسيا تسعى من خلال ضرباتها الى ايقاف انهيار جبهات النظام اولا ثم توسيع المساحات المسيطر عليها من قبل قوات النظام.
ب.في سيناريو التقسيم والذي يقول به الكثير روسيا تحدد حدود الدويلة العلوية المحكومة من قبل نظام بشار الاسد.
ج.الضربات على حلب وحولها لعزل هذه المنطقة وافراغها من اهلها ومن المقاتلين ولعزلها عن محيطها ولقطع الامدادات عن المعارضة من تركيا وخاصة بعد تحريك الفصائل الكردية المعارضة لتركيا على ريف حلب ومدينة اعزاز بالذات.
3.ارى ان من اهم الاسباب لاشتداد الطلعات الروسية هو تغير وقلب موازين القوى على الارض قبل يوم 25/2 والذي ستستأنف فيه المفاوضات بين المعارضة والنظام ويقينا ان افشال الجولة الاولى من المفاوضات كان متعمدا من قبل وفد النظام لكسب الوقت ولاعطاء فسحة للروس في تغيير وقلب الموازين العسكرية على الارض لاعطاء النظام موقف قوي وثابت في المفاوضات المقبلة.
4.الى متى تستطيع روسيا الصمود هل ياترى تستطيع لفترة طويلة وتحمل تكلفة الحرب الباهضة مع بعد خطوط الامداد والتجهيز زيادة على الوضع الاقتصادي الروسي المترنح والروبل المتدني ومشكلات روسيا الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة فقد صرح فلاديمير يوتين في بداية التدخل الروسي قائلا: (هذا الدعم سيكون محدود الوقت في حين يجري الجيش السوري عمليات متقدمة) يفهم منه ان روسيا لاتستطيع ان تصمد طويلا في استنزاف قدراتها من خلال تدخلها العسكري الا ان تكون هناك جهات تدفع الفاتورة اولا بأول.
5.الامر الاخر المتعلق بالفقرة السابقة هي هل روسيا مستعدة للدخول في حرب عالمية شاملة من اجل سوريا, انا اعتقد ان روسيا لاترغب ابدا  في الدخول بمواجهة شاملة مع امريكا وحلف الناتو من اجل سوريا ولن تجعل الامور تصل الى هذا الحد ابدا.
6.هل ان مايجري من تدخل سافر بعلم وموافقة امريكا واوربا ام بدونها, المراقب للوضع في سوريا يتيقن ان مايجري كله بعلم وموافقة امريكا واوربا وحتى نفهم الموقف الامريكي والاوربي يجب النظر اليه من  زاويتين, الزاوية الاولى ان امريكا جاءت بالروس لتوريطهم في المستنقع السوري تحت شعار نابليون بونابرت: (عندما يرتكب عدوك خطأ فلا تقاطعه) وحيث ان روسيا بدأت التدخل فأن الخروج بلا حروق من المحرقة السورية سيكون صعبا جدا وكما يقول المصريون في المثل العامي (دخول الحمام مش زي خروجه ) لان الخروج سيكون له تبعات عسكرية واقتصادية وسياسية على روسيا. من زاوية اخرى قد يكون الامر كما يقال انه يقينا لايحدث شيء بين الدول الكبرى الابما يضمن مصلحتيهما بلا تقاطع ولاتصادم فان ماحدث هو تبادل ادوار وتقاسم نفوذ محسوب بدقة بين الطرفين.
7.الاهداف المعلنة والاهداف الخفية: المراقب للاحداث يستطيع ان يؤكد ان الحملة الروسية ورائها اهداف خفية غير الاهداف المعلنة وهذه الاهداف الخفية قد تكون هي السبب الحقيقي للموقف الامريكي والاوربي زيادة على الموقف الاسرائيلي الداعم الصامت للحملة وهو يبين ويجلي لنا النقطة السابقة وهو مايظهر من حيرة حلفاء امريكا من العرب وكذلك عضو النيتو المسلم جمهورية تركيا التي صرح رئيسها عدة مرات بحيرته من موقف امريكا من الفصائل الكردية المقاتلة في سوريا, انا اجزم ان الهدف الرئيسي الخفي الغير معلن للحملة الروسية هو القضاء على المعارضة السورية الاسلامية والتي قد تشكل البديل عن النظام السوري عند سقوطه بالقوة او بالمفاوضات ولان امريكا تعلن على رؤوس الاشهاد  انها مع المعارضة السورية ضد النظام لكن الحقيقة ان انتصار هذه المعارضة الاسلامية غير مسموح به مطلقا على الساحة السورية وذلك للحفاظ على امن اسرائيل فحتى لاتقف امريكا موقف حرج اذا هي قامت بضرب المعارضة السورية الاسلامية المعتدلة ولن تسمح لاسرائيل بضرب هذه المعارضة لانها ستكشف كل الاوراق وتنكشف عورة النظام السوري فينفضح  ، لذلك امريكا اعطت الضوء الاخضر لروسيا لضرب هذه المعارضة وليس لضرب داعش كما يعلن وبالتنسيق مع اسرائيل بكل التفاصيل. هذا هو الهدف الخفي الحقيقي للحملة الروسية وسكوت امريكا واوربا ومساندة اسرائيل الصامتة للحملة.



(الحالة المائعة سريعة التغير)

تجت هذا الشعار الحالة المائعة سريعة التغير نستطيع ان نرسم بعض الافاق على المدى القصير والمتوسط للحملة الروسية العسكرية حيث ان هذا المصطلح الحالة المائعة ينطبق بشكل كبير على الحالة السورية التي لم تصل الى حالة ثبات او استقرار منذ خمسة سنوات وهي في حالة تغير سريع يوميا بل في كل ساعة يستجد على الساحة المحلية السورية والاقليمية والعالمية تغيرات واحداث تنبأ بتغير متواصل قد يكون في صالح الحملة الروسية وقد يكون العكس صحيح في صالح الثورة السورية والمعارضة السورية, وهذه الافاق تقرأ من خلال المعطيات الاتية وبأختصار :
1.المعارضة السورية وافاق عملها على الارض: اعتقد والله اعلم ان المعارضة السورية التي لا تقاتل قتالا نظاميا كقتال الجيوش وانما تقاتل بطريقة العصابات بالكر والفر والضربات المفاجئة والتنكيل في العدو لديها مع المتغيرات على الميدان مساحات جديدة لتغير اسلوب قتالها والانتقال الى اسلوب استنزاف المقابل بدون التمسك بالمكان والضرب والمشاغلة والانسحاب والعمليات النوعية التي تؤذي المقابل وتوقع به خسائر كبيرة وهناك امر اخر اذا اردات المعارضة ان تقلب الطاولة على اللاعبين يقينا تستطيع من خلال اعلانها التوحد تحت قيادة واحدة وراية واحدة وتأسيس جيش المعارضة الذي لو حدث فأنه احد السيناريوهات التي ستغير موازين القوى على الارض وفي الميدان  ، كذلك حصول المعارضة على اسلحة نوعية من تركيا والسعودية وابرزها مضادات الطائرات ومضادات الدروع سيغير ايضا المعادلة العسكرية في سوريا وكل هذا ممكن وقد يحدث في اي ساعة.
2.موقف ايران وحزب الله والفصائل الشيعية الاخرى: ان من الامور التي تتغير على الساحة السورية هو موقف ايران وحزب الله ومن معهم من الفصائل الشيعية لاسباب منها:
أ.اذا استطاعت الدول العربية +تركيا في دعم المعارضة والفصائل المسلحة داخل ايران من عربستان وكردستان وبلوشستان وغيرهم مما يزلزل الارض تحت اقدام الايرانيين ويجعلهم يعيدون حساباتهم من جديد وهناك تصريح لمسؤل ايراني يؤكد هذا الشيء فقد اعلن وزير الاستخبارات الايرانية محمود علوي (ان تدخل روسيا العسكري في سوريا بات يشكل تهديدا على الامن القومي الايراني حيث ان ضغط العمليات العسكرية الروسية في سوريا دفع الاعداء لبذل جهود مضاعفة لزعزعة الامن في ايران)
ب.من جهة اخرى ان ايران وروسيا غير متفقان على الملف السوري بتفاصيله وان كانوا ظاهريا متفقان بالجملة حيث ان ايران ترى  ان روسيا تهمش دورها في سوريا مما يحرمها حصتها في الكعكة السورية  ، ثانيا انهم غير متفقان على مصير الاسد فأن روسيا قد تبيع الاسد في اي لحضة وفي اي صفقة تجد من خلالها مصالحها مؤمنة.
ثالثا لديهم خلاف حقيقي حول محاولة روسيا مد الصلات والعلاقات مع بعض فصائل المعارضة ومنها الجيش السوري الحر والذي ترفضه ايران رفضا تاما.
ج. ان علاقة روسيا مخابراتيا وعسكريا مع اسرائيل يثير قلق ايران وحليفها اللبناني حزب الله فأيران تشك في روسيا بأنها تعبر خطوط نقل وخريطة تواجد حزب الله على الساحة السورية للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ويؤكد ذلك الضربات المتكررة لبعض خطوط امداد حزب الله او لمخازنه او لصواريخه كل هذا  قد يؤدي الى انفراط العقد الايراني الروسي مستقبلا.
3.دور اللاعبين العرب والاتراك والذي قد يغير مسار المعركة اذا كان هذا التدخل محسوب بدقة تحت مضلة دولية واستعمل مع سلاح المعركة سلاح الاقتصاد والمقاطعة لايران ولروسيا وقطع جميع المسارات التجارية والاقتصادية معهما قد يجعل الموازين تختل لصالح الثورة السورية.
4.الموقف في اوكرانيا مع الموقف داخل روسيا (مسلمي روسيا) فالموقف في اوكرانيا ليس ببعيد عن الصراع في سوريا حيث ان روسيا صنعت ساحة جديدة موازية لساحة الصراع في اوربا الشرقية في اوكرانيا وشبه جزيرة القرم لخلق نوع من التوازن ولتخفيف الضغط عليها هناك ولتكون ورقة جديدة على طاولة اللاعبين الدوليين مقابل ورقة اوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا. فأذا تم تحريك ورقة اوكرانيا او تم تحريك مسلمي القرم ضد روسيا فأن روسيا يقينا ستغير البوصلة للاتجاه صوب اوكرانيا والقرم المحاذيتين لها لاهميتها الاستراتيجية لها اما موضوع مسلمي روسيا وتحريكهم ضد روسيا فتخيل لو صدرت فتاوى دينية شرعية من جهات معتبره كالاتحاد العام لعلماء المسلمين او هيئة كبار العلماء في السعودية او رابطة العالم الاسلامي او غيرها من مثيلاتها بأعتبار روسيا دولة غازية والجهاد والقتال ضدها واجب شرعي فكيف سيكون موقف روسيا عندها وما العملية الانتحارية التي حدثت قبل ايام في داغستان الا اكبر دليل على تطور الحالة ووصولها الى الغليان والاقتراب من درجة الانفجار في المقاطعات الاسلامية داخل الجسد الروسي والتي لها ثارات قديمة وحديثة مع الاجرام الروسي المنظم.
5.الملف الاقتصادي الموازي للجهد العسكري والذي قد يكون له اثر على تغير الموقف الروسي وما اجتماع الدوحة بحضور السعودية وفنزويلا ببعيد والاتفاق على تخفيض الانتاج للمحافظة على الاسعار كل هذا وغيره كثير قد يرسم لنا الافاق التي ستؤول لها الحملة العسكرية الروسية فما دامت الحالة السورية مائعة اذن هي متغيرة وستأتينا في كل يوم بجديد.


شارك الموضوع

إقرأ أيضًا